خطأ تقديم "الخُطة المفصلة"، ودورها في القضاء مبكرا على الإبداع


يصر مجالس الأقسام على تقديم خُطة مفصَّلة للبحث الذي لا يزال أفكاراً تتوالد، فيضطر الباحث مكرها على تقديم خطة مفصلة للبحث من أجل تقديمه للمجلس للنظر في الموافقة عليها أو لا، وهاهنا ملاحظات:

أولاً: كيف يطالب الباحث بتقديم خطة مفصلة تستهلك منه جهدا كبيرا قد يستمر عدة أشهر وهو لا يدري عن مصيره! فأين حق الشعوب في تقرير مصيرها؟

ثانياً: كيف يطالب بتقديم خطة مفصلة، وهو بعد لا زال يفكر في تأسيس مشروع بدا له جدواه؟

ثالثاً: أليس من المفترض أن يقدم خطة تحكي أهمية الموضوع، والخطوط العريضة التي يعتزم القيام بها للخروج بنتائج مهمة للموضوع، فإن وافقوا عليه، فهذا هو النصر المؤزر، وما بعد ذلك يحلها ألف حلال!.

رابعاً: إن تقديم خطة مفصلة حرفياً للموضوع من منهجه وأبوابه وفصوله ومباحثه ومطالبه ومسائله يعني بصراحة أنه لن يضيف شيئاً، وإنما سيملأ فراغات الخطة!!.

خامساً: إن تقديم خطة مفصلة لبحثه يعني أنه سيهمل جوانب مهمة للبحث لن تتضح معه إلا من خلال الاحتكاك المباشر في معمعة البحث.

سادساً: إن تقديم خطة مفصلة لبحثه يعني أنه سيتورط في جملة موضوعات شائكة كان في غنىً عنها، ولم تتضح له إشكالياتها إلا بعد حين.

سابعاً: إن سبب الإصرار على تقديم خطط مفصلة هو أن الأبحاث المقدمة مكشوفة معروف غرضها وأهدافها، فهي مناقشة عدد محدد من المسائل لتبيين القول الراجح، سواء سميت اختيارات أو فروق أو قواعد أو نظريات!
حتى في هذه المشاريع المكشوفة فإن تقديم خطط مفصلة لها آثار سلبية للباحث فسيتضح له أن أهمل جوانب دون جوانب ومسائل دون مسائل وفروق دون فروق وقواعد دون قواعد ونظريات دون نظريات، ويا حسرة ولات حين!.

ثامناً: أقترح إنشاء لجنة حيوية مستمرة في أقسام الدراسات العليا من مجموعة متميزة من الأساتذة العارفين بمواد البحث ومسالكه، فتعقد لقاءاتها أسبوعياً بالباحثين، وتحمل على عاتقها، ترشيدهم إلى الموضوعات المناسبة للبحث، وعلى إعطاء المشورة المباشرة والكافية فيما يقترحونه من موضوعات، وفي هذا تحريك لعجلة تسجيل الموضوعات، وليس من المناسب أن يظل الباحث عدة أشهر ليعرف هل فكرة بحثه في حيز المقبول، أو أنها في "الحفظ والصون"!.

تاسعاً: لعل من المسؤولية المناسبة أن يكون على مجالس الأقسام تقديم مبررات علمية في حال رفض الموضوع الذي تقدم صاحبه بدراسة مستوفية عنه، محدِّداً فيه الإضافة العلمية، وليس من التوازن في شيء أن يُكلَّف الباحث بعمل دراسة معمَّقة، مع الدراسات السابقة، وأن يستوفي أطراف الخُطة، وأن يحدد فيها محل إضافته في البحث، ثم بعد ذلك يردّ الموضوع بحجج لا تتناسب مع الجهد الذي بذله الباحث حتى كاد أن يلفظ معه أنفاسه؛ ألا نخاف عليه مِن الإحباط؟ وأن تخرَّ قواه، فيتهادم ما بناه، أم أن الطالب لا حيلة له، مغلوبٌ على أمره، وأساتذته أدرى بشأنه!.